من مغامرات أم عادل قبل عيد ميلادها الـخامس و الخمسون*

مرة، و من غير ما تقول لنا و من ورانا، راحت أم عادل الحجّ و مشيت من عرفة لمزدلفة لمنى. يعني مسافة 11 كيلومتر تقريباً. و الشيء داه صار قبل سنتين أو ثلاث. يعني كان عمرها في أوائل الخمسينات.

مشوار عرفة-مزدلفة-منى

الجهد النبوي سبّب لها نزيف في مهدنا الأولى. إخواني طرطعوا. أنا كرعت. هي على دورها، خافت أكثر من السكين و المسكنات و الطب الغربي بدل من أسوأ الاحتمالات و أأكد الحتميّات. فمسكناها بالطب الجاوي: لمسة و خرافة و أخلص الدعوات.

اتعافت الحرمة. لأنه، لو الخرافات داء، فالإيمان بها دواء. بدليل أنها لسا عايشة. الله يخليها أربعين سنة كمان لطالما أنها مرتاحة، انشالله، و مو أكثر لو ما كانت مرتاحة. لأن نكسـة أرذل العمر كمانة مش هيّنة.

***

مرات كثيرة كمانة، لما كانت في منتصف الثلاثينات و احنا يا دوبنا نمشي، و فلوسنا يا دوبه فراتة، كانت أمي تجمّعنا تحت طاولة السفرة، و تشتغل في الكيك و الكوكيز على الطاولة. و احنا نتخيل حالنا حجاج، و الطاولة هي الخيمة، و أم عادل رئيسة المكتب و توزع علينا اللقمات؛ لقمة لعالية، لقمة لعادل و لقمة لأنغي، و تكمل لتّ و عجن الكيك و الكوكيز اللي في إيدها. الكيك و الكوكيز اللي في إيدها، بعد ما تجهز، كانت حتتباع لناس نعرفهم و ما نعرفهم. و كان فلوس الكيك تتحول لمريول مدرسة أو ثيبان عيد.

مرات، و الشيء داه صارت أكثر من سجل الذكريات، شالتنا من تحت الـ”خيمة” و حطّتنا في السرير، و رجعت ع طاولتها و راقبت الشباك اللي تواجه حوش البيت و استنّت بابا و هي تكمل عجن الكيك و الكوكيز لنهايات بطن الليل. أحيانا تجلس في السكون و الرعب يدبّ في أطرافها، من الأصابع للأكتاف و من الأصابع للأفخاذ: وش صار في بابا؟ ليش اتأخر؟ أفرض يفتح باب الحوش و يدخل شيء ثاني غير بابا…

…انت عارف؟ الجيل قبل الجوالات الذكية و الشبكات الإنترنيتية، يتذكروا أكثر و أقوى لأن الرعب و الانبساط كانوا خبرات بدنية انفعالية إدراكية كاملة. كان أي حدث بتصير معانا سمعا، نظرا، لمساً ذوقا و (أقواهم و أشملهم) شمّاً. الخبرات ما كانت منحصرة داخل شاشات تكنولوجية وانطباعات ثانوية و وهمية. و المسافة بين الرعب و الانبساط مسافة فتح باب وقفله. مسلّمين تحت حكم مفاجأة الأقدار بلا نقاش و لا محالة. اللي يجي، يجي. و هيك اللي صار…

و صار اللي صار و مرة صارت أم عادل جـَدة. و احنا عمّة و عمّ. و حنحكي لأولاد شهد و عادل الحكايات هذي عن ستّهم. انو مافي شيء مستحيل طالما في الاحتمالات و قبل الحتميّات.

طالما الكيك و الكوكيز في الأفران. و بيننا مسافة مشوار.

*عيد ميلاد سعيد، إبو.